حملة لاقيني ولا تطعميني

قياسي

1108349632_5574090358_b

تظهر آخر دراسة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، ان هناك 1،3 مليار طن من الاغذية (الطعام الجاهز) يتم هدرها سنويا، وهي تشكل ثلث الاغذية المنتجة في العالم تقريبا كل عام. المنظمة التي دعت الى «التقليل من النفايات الغذائية لإطعام جياع العالم» في الدراسة، كانت قد قدرت مرارا عدد الجياع في العالم بما يقارب المليار إنسان! ان موضوع الغذاء مرتبط بالبيئة وموارد الارض بشكل عضوي، كما ترتبط الثمار بالشمس والتربة والمياه والهواء. وكل هدر في الغذاء، هو هدر بمقومات الحياة. الهدر في الغذاء يتسبب بهدر المصادر والموارد الأولية ولا سيما المياه والتربة والطاقة والعمل ورأس المال الطبيعي والمادي. تتشارك البلدان الصناعية المتقدمة مع تلك النامية في تحمل المسؤولية. البلدان النامية تهدر الغذاء في عمليات الانتاج والحصاد والتحويل والتصنيع وضعف التقنيات والبنية التحتية وسوء استخدام المبيدات والمخصبات الصناعية … وفي عدم التحكم بزيادة النسل والجياع. وتهدر البلدان الصناعية المتقدمة الغذاء بين نظم التجارة غير الإنسانية والمستهلكين الشرهين الذين يرمون الكثير من الاغذية الصالحة للاكل. وتقدر الفاو الهدر في الغذاء في الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي بين 95 و115 كلغ للفرد الواحد سنويا. لا تذكر الدراسة شيئا عن هدر الغذاء في البلدان المتقدمة لاطعام الحيوانات الاليفة في المنازل. فهل اصبحت تلك الكائنات اليفة جدا، الى حد انها باتت تصنف بمثابة افراد ومستهلكين ولا تحتسب في خانة غير الطبيعية والهدر؟ اذا كان الامر كذلك، مع تفهمنا لحالة الالفة التي يعيشها الانسان مع كلبه وهره، التي لم يعد يجدها مع الآخر الشبيه… الا ان هذه الحالة، تفترض اعادة النظر بأخلاقيات كثيرة، خصوصا ان الكثير من امراض العصر باتت عابرة للنوع ويتشارك فيها الانسان مع الحيوان، ومعولمة، اي تعني كل العالم كونها ايضا عابرة لحدود الدول. في ثقافتنا الشعبية مثل يقول «ربي كلبك يعقر جنبك». صحيح ان هذا المثل قيل للدلالة على قلة الوفاء بين الناس، ولكنه في الاصل، يدل ايضا على عدم الاطمئنان للكلب الذي تم تدجينه من الذئب. كما لا تذكر الدراسة شيئا عن الهدر الذي تسببه المحلات التجارية الكبرى التي ترمي الكثير من السلع إما لانتهاء صلاحيتها او لإفساح المجال امام المنتجات الجديدة. لا يحتاج الامر لمعالجة قضايا الهدر في الغذاء والجوع، الى المزيد من الثورات العلمية كتعديل جينات النباتات بعد ثورة استخدام الكيماويات التي لوثت الارض ولم تحل مشكلة الجياع. امام هذه الوقائع، يفترض بداية اعادة النظر بالنظام الحضاري والاقتصادي المسيطر. كما يفترض اعادة النظر بالكثير من العادات الاستهلاكية والغذائية الحديثة التي انطلقت في البلدان الصناعية المتقدمة مع ما يسمى «الثورة الصناعية» ، وقد قلدتها الشعوب النامية من دون دراية! يفترض اولا الإقلاع عن عادة شراء الاغذية اكثر من الحاجة، وتعدد الاطباق من اجل الشكل و«شوفة الحال»، لا من اجل تأمين الطعام المتوازن الضروري للصحة والحياة. وقد نسي العالم ان احد اهم مميزات الطعام اللذيذ، قلته. كما يفترض التراجع عن عادة ما يسمى «البوفيه المفتوح» البالغة السوء، التي تقدم تشكيلة واسعة من الاصناف بسعر محدد وثابت ومقطوع، مما يدفع الزبون إلى زيادة المأكولات في صحنه، اكثر من حاجته، فيصاب بالتخمة وسوء الهضم من جهة، ويهدر ما بقي من طعام من جهة اخرى. كما يفترض اعادة النظر بطريقة تحضير «الولائم»، التي تغلب فيها الشكليات على الحاجات، بالاضافة الى حفلات الاعراس في المطاعم التي تعتبر قمة في الهدر… وقد نسي الذين استوردوا هذه العادات الغريبة عن التراث آداب الضيافة عند العرب القول: «احدثه، ان الحديث من القرى»، أي ان مجرد الجلوس مع الضيف ومحادثته وحسن الاستماع اليه ومشاركته همومه…بمثابة إكرامه. وكما يقول المثل الشعبي، «لاقيني ولا تطعميني»، أي ان حسن الاستقبال اهم من الوليمة الخ… الا يفترض اخيرا اعادة النظر بمفاهيم مثل الكرم والبخل، والتي نتناولها لاحقا، لأهميتها الاستراتيجية في تأمين الامن الغذائي والصحي والاجتماعي والاقتصادي… والسياسي ايضا؟

أضف تعليق